الاثنين، 9 فبراير 2015

حقوق الإنسان في الإسلام


../imagesDB/1129_large.jpeg
لقد بات الحديث عن حقوق الإنسان قضية القرن وحديث الساعة، تعقد له الندوات وتنظم المؤتمرات، وتبرم الاتفاقيات وتؤسس الجمعيات... كل ذلك بدعوى التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان والدفاع عنها؛ خاصة وأن تطبيقها أصبح يعد مقياسا لمدى "التزام الدول بمبادئ العدل والحرية والديمقراطية"، ومعيارا لمدى "وعي الشعوب بحقوقها وحرصها على اكتسابها". يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:"دين العصر وكلمته وتسبيح ضميره، أس الديمقراطية ومضمونها ومعناها، تلك هي صيحة حقوق الإنسان في عصر قاحل شديد على الإنسان " [1]

أي إنسان وأية حقوق ؟

أجمل الشعارات عندما تنطلق بها الأفواه وتزين بها اللافتات. وما أروع الحديث عن حقوق الإنسان، اللواء الخفاق في سماء الديمقراطية، والأغنية المفضلة لدى دعاتها، يسمعها المظلومون والمقهورون، المتطلعون للعدل والكرامة والحرية.
نداء كريم يغري بالأمل ويبعث على الأمان، ولكن... من يردد هذه الشعارات؟ من ينادي بهذه الحقوق ويدعو لها؟
إننا نعلم والناس يعلمون أنه رغم النداءات المتكررة للدفاع عن حقوق الإنسان، لازال هذا الأخير محروما من أبسط حقوقه. جولا بناظريكما، أخي الكريم أختي الكريمة، وتأملا العالم من حولكما، ماذا تريان ؟ عالم مستقل الأوطان سيد عليها وعلى الناس، والآخر محكوم غير مستقل.عالم شعبه مدلل، وآخر شعبه مهان.

عن أي إنسان نتحدث ؟

أهو الإنسان المسلم الذي طمست هويته، المتهم بالتطرف تارة و بالإرهاب أخرى؟
أم هو الإنسان الإفريقي الذي عانى ولا يزال يعاني من مخلفات الاستعمار وبصمات الرق؟
أم هو الإنسان الأسيوي الذي يفتقد لأبسط مقومات العيش؟
أم هو الإنسان الأسترالي الذي اتخذ تحفة تاريخية، لا يصلح سوى لالتقاط الصور التذكارية بجانبه؟
أهو الإنسان في فلسطين المحتلة، الذي يعاني من ويلات الاحتلال الإسرائيلي؟
أم الإنسان في العراق المغتصب الذي يئن تحت وطأة العدوان الأمريكي؟
أم هو الإنسان في الشيشان وأفغانستان، مهضوم الحقوق، مسلوب الإرادة؟

شعاع أمل

في هذا الوسط الحالك، يبزغ فتيل نور ضئيل انبعث من ذوي المروءات والضمائر الحية الذين انبروا لحمل مشعل الدفاع عن حقوق الإنسان المعذب في الأرض، أسسوا جمعيات ومنظمات، ودعوا للمساواة بين الشعوب حتى يصبح الإنسان إنسانا واحدا والعالم عالما واحدا، عالم لا يستعبد فيه الإنسان ولا يقهر ولا تنتهك حقوقه. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:"ونفتح قوسين قبل أن نوغل في الموضوع لنحيي الجمعيات الحرة المدافعة عن حقوق الإنسان حقا وصدقا. هذه الجمعيات غير الحكومية هي صوت الضمير الغربي الغاطس في جبروته. وهي المحاور المنتظر للإسلام، عسى تكون لمروءتها أذن تسمع يوما نداء الإسلام إلى حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة، أرضية سماوية، تمنع تعذيب الإنسان في الدنيا وتعريضه لعذاب الآخرة" [2]

كلمتنا في حقوق الإنسان

حقوق الإنسان لعبة سياسية داخل اللعبة الديمقراطية، وصرخة مروءة عند الفضلاء من كل ملة. لكنها عندنا وعند كل مسلم يؤمن بالله ربا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا، مسؤولية عظمى وواجب مقدس، لذلك كان الحفاظ عليها من الزوال ورعايتها من الضياع مطلبا شرعيا أكيدا. والمعول في هذا على ذمة المؤمن والمؤمنة أولا وخوفهما من الله سبحانه ورجائهما جنته وابتغائهما رضوانه، وأول الحقوق تحرير إرادة الإنسان ليعرف ربه عز وجل.
حقوق الإنسان لن تُنال إلا إذا تقلص نفوذ السلطان، وقويت عزيمة الإنسان بباعث القرآن ووازع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حقوق الإنسان لن تزدهر إلا إذا تحرر عقل المسلم من قيود الهوى والضعف والجبن، وصفا القلب من صدأ الأنانية والغفلة واللامبالاة، ونبعت روحه من فيض الإيمان الصادق الذي يطهر النفس ويزكيها.
حقوق الإنسان لن تعلو على سطح أرضنا إلا بالعمل على إبادة البؤس والفقر، وإعادة الكرامة للإنسان وضمان العيش الكريم، الذي أساسه العدل في القسمة والرخاء في الأرزاق، ولبه الإحسان والأخوة الإنسانية، نقرب المسافات بين الشعوب والأفراد بالباعث الإيماني وعلى أساس البر الشامل ببني البشر.

خصائص حقوق الإنسان في الإسلام

الكل يسعى إلى إنقاذ البشرية، حاملا لواء الخلاص والنجاة، مرددا لشعارات رنانة وهتافات قوية، ليؤكد للشعوب المستضعفة أنه حامي حمى حقوق الإنسان وراعيها، وهذا منطلق إنساني جميل يبقى معه للطرح الإسلامي رونقه وأصالته، عمقه وصدقه، والتاريخ ولا شك يشهد لمصداقية الإسلام في مناداته بحقوق الإنسان، ويزخر بمواقف عظيمة لرجال رسموا على دفاتره أروع الصور وأبهاها.
لقد ضمن الإسلام للإنسان حقوقه كاملة غير منقوصة، الخاصة منها والعامة، المادية والمعنوية، السياسية والمدنية. ومن الحقوق العامة للإنسان دعوة الإسلام إلى حقه في الكرامة المكتسبة من العمل والعقيدة، وحقه في الحفاظ على إنسانيته من الحروب الطاحنة وقيود الاستعمار الثقيلة، وحقه في الوجود والعيش الهنيء... كما يسعى الإسلام إلى حماية حقوق الإنسان من خلال التأكيد على حقوق الطفل والمرأة والمسنين... وكثيرة هي الحقوق التي طالب بها بل أوجبها وفرضها على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر، وخصها بخصائص عديدة وميزات كثيرة منها :
- حاكمية الله تعالى : وهي لب حقوق الإنسان وجوهره، يقول عز من قائل :﴿إن الحكم إلا لله، يقص الحق وهو خير الفاصلين﴾ [3]خضوع تام للمولى عز وجل واستسلام كلي لسيادته وإقرار تام بعبوديته. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين :"رأس حقوق الإنسان عندنا، وأم الحريات، ومنبع الكرامة، تحرير الإنسان من كل عبودية غير عبودية الله رب العالمين لا شريك له" [4] - رقابة الله سبحانه : وهي منطلق كل العبادات وموجه كل الحركات والسكنات، حيث يكون العبد في خشية من الله عز وجل، طالبا لمغفرته، راجيا لرحمته. فاستحضاره لهذه الرقابة ينم عن مدى حرصه على الشرب من ينبوع الإحسان الذي يقول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سيدنا عمر رضي الله عنه:"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فانه يراك" [5]
- سيادة المجتمع : تنبثق حقوق الإنسان في الإسلام من قاعدة أساسها أن سيادة المجتمع جزء من سيادة أفراده، وليس العكس كما في النظم الوضعية التي ألغت إرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. يقول الله تعالى :﴿من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾ [6] - الانسجام والتكامل : لم يترك الإسلام حقوق الإنسان مجردة بل أحاطها بسياج الأحكام الشرعية، وربطها بالأخلاق والسلوك، وجعل الإخلال بالآداب هضما لهذه الحقوق، كما قرنها بالوازع الديني والباعث الإيماني، فسعى بذلك إلى بناء حقوق الإنسان بناء متكاملا ينسجم مع الطبيعة الإلهية التي من أجلها أنزل الله هذا الدين.
- ربانية المصدر : ومن أبرز ما يميز حقوق الإنسان في الإسلام أنها شرعت في كتاب الله وسنت في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أن مبادئها وقوانينها استقرت وحيا من عند الله سبحانه وتعالى فلم تحتج في تحقيقها إلى قيام ثورات أو تنظيم حملات.
- المصداقية والواقعية : انبثقت هذه الحقوق من واقع الإنسان ومحيطه بحيث لامست همومه وحاجياته، وجاءت لتلبي مطالبه ورغباته، ولواقعيتها استطاعت عبر التاريخ أن تبرهن على مدى صدقها وقوتها، وهذا مما يؤهلها لتكون صالحة لكل زمان و مكان.
هذا بعض ما ميز حقوق الإنسان في الإسلام عن باقي الأنظمة الوضعية والقوانين البشرية مما مكنها من الصمود رغم المحاولات العديدة لطمسها ومحو هويتها.
هي حقوق إذن تنبثق جميعها من حق واحد هو حق الإنسان في معرفة خالقه، هذه المعرفة التي تلزمه بأداء واجباته تجاه ربه وتجاه الآخرين بوفاء وإخلاص، وإيمانا وإحسانا لا مضطرا أومدفوعا بسلطة القانون البشري.
[1]كتابه العدل ص355
[2]حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص210.
[3]الأنعام الآية57
[4]حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص216.
[5]أخرجه البخاري.
[6]المائدة الآية32.

0 التعليقات:

إرسال تعليق